كل الاخبار الاخبار

سيمون بوليفار.. محرر فنزويلا بالأعلى للثقافة

سيمون بوليفار.. محرر فنزويلا بالأعلى للثقافة سيمون بوليفار أيقونة للمناضلين في كل أنحاء العالم تمثال سيمون بوليفار في أحد ميادين القاهرة شاهد على العلاقات المصرية الفنزويلية تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة المصرية، وبالتعاون مع سفارة فنزويلا، نظم المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمي، ندوة بعنوان: "حياة وأعمال سيمون بوليفار"، والتي أقيمت بالتعاون مع قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، وأعرب الدكتور هشام عزمي عن سعادته بذلك اللقاء الذي يتم الاحتفاء فيه بذكرى شخصية تاريخية عظيمة، وهي ذكري مرور مائتين وأربعين عامًا على ميلاد سيمون بوليفار، هذه الشخصية الملهمة والمؤثرة التي تجاوز تأثيرها حدود أمريكا اللاتينية إلى شتى بقاع العالم، والتي يتم تنظيمها بالشراكة بين المجلس الأعلى للثقافة وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بمبادرة من سفارة فنزويلا بالقاهرة. مؤكدًا أن اهتمام المجلس الأعلى باستضافة هذه الندوة يجيء ترسيخًا للعلاقات المتميزة التي تربط مصر بدول أمريكا اللاتينية الصديقة، والتي تشكل العلاقات الثقافية إحدى ركائزها الرئيسة، فقد كان لمصر بتاريخها العريق تأثير كبير في مناطق مختلفة حول العالم. إحدى هذه المناطق هي أمريكا الجنوبية، حيث ترك التأثير الثقافي المصري علامة لا تمحى منذ عصور ما قبل كولومبوس وحتى يومنا هذا، وقد شكلت التفاعلات الثقافية بين مصر وأمريكا الجنوبية المشهد الفني والمعماري والروحي لهذه القارة النابضة بالحياة. موضحًا أنه يمكن إرجاع تأثير مصر الثقافي في الجنوب إلى عصور ما قبل كولومبوس عندما ازدهرت الحضارات القديمة في هذه المنطقة. وقامت حضارة الموتشي، التي ازدهرت بين القرنين الأول والثامن الميلادي في ما يعرف الآن ببيرو، بدمج الزخارف المصرية في فنها. كما يعكس وجود أهرامات مميزة على الطراز المصري وتمثيلات الفراعنة في فن الموتشي الاتصالات المبكرة بين مصر وأمريكا الجنوبية، ولقد أرست هذه التفاعلات الأساس لتبادل الأفكار الثقافية والأساليب الفنية في المستقبل. كما يظهر الحضور المصري جليًّا خلال الفترة الاستعمارية، فلقد سعى الغزاة الإسبان الذين أعجبوا بمجد مصر القديمة، إلى محاكاة عجائبها المعمارية في مستعمراتهم، كما في ليما، بيرو. وتعرض كنيسة ودير سان فرانسيسكو مزيجًا من الأساليب المعمارية الاستعمارية الإسبانية والمصرية. حيث تعكس الفسيفساء المعقدة والأهرامات الشاهقة والمسلات الموجودة في هذا الهيكل الرائع تاريخ مصر القديمة وتكون بمثابة شهادة على العلاقة الثقافية الدائمة بين مصر وأمريكا الجنوبية. أما في العصر الحديث، فلقد وصل التأثير الثقافي المصري في أمريكا الجنوبية إلى آفاق جديدة مع التواصل العالمي وزيادة التبادلات الثقافية، وأثار ظهور علم المصريات ودراسة الهيروغليفية في جامعات أمريكا الجنوبية اهتمامًا متجددًا بحضارة مصر القديمة، حيث يتعاون العلماء والباحثون من القارتين في المشاريع الأثرية، ويتبادلون المعرفة والأفكار، ويعمقون فهمهم للتراث الثقافي المشترك. ويمتد التأثير المتبادل بين مصر وأمريكا الجنوبية إلى ما هو أبعد من الهندسة المعمارية والروحانية إلى الثقافة الشعبية. لقد وجد الفن والموسيقى والأزياء المصرية مكانًا في قلوب سكان أمريكا الجنوبية، وتحظى معارض القطع الأثرية المصرية القديمة بحضور وتقدير كبيرين، ما يدل على التقدير المستمر بالتراث الثقافي الغني لمصر، بالإضافة إلى ذلك يستوحي الموسيقيون ومصمِّمو الأزياء في أمريكا الجنوبية الإلهام من الجاذبية الجذابة للجماليات المصرية القديمة، وغالبًا ما يقومون بدمج عناصر الفن الفرعوني والرموز في إبداعاتهم. وأضاف عزمي أن تمثال سيمون بوليفار المهيب المصنوع من البرونز، والذي يوجد في ميدان يحمل اسمه في قلبِ القاهرة، يقف في جاردن سيتي، شاهدًا على الصداقة المصرية الفنزويلية.. تمثال لفارس بكامل زيِّه العسكرى ويتكئ على سيفه في كبرياء وشموخ، وقد صنع هذا التمثال في فنزويلا، مِن قِبَلِ النَّحات الفنزويلي كارملو تباكو، وقاعدة التمثال قام بصنعها مانويل بلانكو، وكان ميدان سيمون بوليفار يُعرف باسم ميدان قصر الدوبارة حتى أهدت فنزويلا لمصر تمثال البطل الفنزويلى عام 1979. لقد كان إرث سيمون بوليفار عميقًا وبعيد المدى، فقد كان زعيمًا ثوريًّا لعب دورًا مميزًا في النضال من أجل استقلال أمريكا اللاتينية عن الحكم الاستعماري الإسباني في أوائل القرن التاسع عشر، وكان لحملاته العسكرية وقيادته السياسية دورًا حاسمًا في تحرير العديد من البلدان، بما في ذلك فنزويلا وكولومبيا والإكوادور والبيرو وبوليفيا. لقد تصوُّر بوليفار أمريكا اللاتينية موحدة ومستقلة خالية من الهيمنة الإسبانية ولقد كانت أفكار بوليفار السياسية متجذرة بعمق في مبادئ التنوير والمثل الجمهورية. ودعا إلى نظام حكم يقوم على الديمقراطية، وفصل السلطات، والحريات الفردية، وقد وضعت كتاباته وخطاباته الأساس لإنشاء المؤسسات الديمقراطية في الدول المستقلة حديثًا. فقد كانت حملات بوليفار العسكرية في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية فعالة في تحرير بلدان متعددة من الحكم الإسباني، فمن معركة بوياكا في كولومبيا الحالية إلى النصر الحاسم في أياكوتشو في بيرو، أظهر بوليفار براعة عسكرية استثنائية وقيادة استراتيجية متفردة حيث تمكَّنت قواته، المكوَّنة من مقاتلين من الكريول والسكان الأصليين، من التغلب على عقبات كبيرة، بما في ذلك التضاريس القاسية وقوات العدو المتفوقة. وامتدت إسهامات سيمون بوليفار إلى المجال السياسي، فقد تصوَّر أمريكا الجنوبية موحدة، خالية من التأثيرات الاستعمارية وتتميَّز بالحكومة الجمهورية، حيث استهدفت "كولومبيا الكبرى" التي أطلقها بوليفار جمع الأمم المحررة في اتحاد كونفدرالي، وتعزيز التكامل والتعاون الإقليميين، وعلى الرغم من أن حلمه بأمريكا الجنوبية الموحدة لم يتحقَّق بالكامل، إلا إن أفكاره أرست الأساس لمحاولات مستقبلية للوحدة في القارة، وشدَّد بوليفار أيضًا على أهمية الدستورية، والدعوة إلى حكومة تمثيلية وحماية الحريات الفردية، وهي أفكار كانت سابقة لعصرها بكثير. كما دعا بوليفار إلى إلغاء العبودية وناضل من أجل تحرير العبيد، وأعرب عن اعتقاده بأن جميع الأفراد، بغض النظر عن عرقهم أو وضعهم الاجتماعي، يجب أن يتمتعوا بحقوق وفرص متساوية. ولقد ساهمت جهوده في إلغاء العبودية في العديد من دول أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم أن هذه العام يصادف الذكرى الـ240 لميلاده، فما تزال رؤية بوليفار وتصميمه مصدر إلهام للأجيال في جميع أنحاء العالم، مما يجعله شخصية خالدة في تاريخ أمريكا اللاتينية، فقد امتد إرث سيمون بوليفار إلى ما هو أبعد من حياته. ولا يزال تفانيه في مبادئ الحرية والمساواة والعدالة يلهم القادة والناشطين في جميع أنحاء العالم، وقد أثرت رؤية بوليفار لأمريكا الجنوبية الموحَّدة على الحركات والمنظمات اللاحقة، مثل اتحاد دول أمريكا الجنوبية (UNASUR). وبينما نحتفل بذكرى ميلاد سيمون بوليفار، فمن الضروري أن نتذكَّر إسهاماته الكبيرة في النضال من أجل الاستقلال. إن التزام بوليفار الثابت بمُثُل الحرية والوحدة والعدالة يجعله قائدًا صاحب رؤية حقيقية، وستظل انتصاراته العسكرية وآراؤه السياسية مثلًا يُحتذى في تشكيل مسار تاريخ أمريكا الجنوبية. إن حياة سيمون بوليفار بمثابة تذكير بقدرة الأفراد على تحويل المجتمع وأهمية السعي من أجل عالم أكثر عدلًا وإنصافًا. مشيرًا إلى أن العلاقات الثقافية بين مصر وأمريكا الجنوبية تتجاوز الحدود الجغرافية والفترات التاريخية، فمن التبادلات المبكرة بين الحضارات القديمة إلى البحث التعاوني الحديث في علم الآثار وعلم المصريات، فإننا نتطلَّع إلى مزيد من التعاون الثقافي بيننا، ومع استمرار تطوُّر التفاعل والتبادل بين المنطقتين، فإن الرابطة الثقافية بين مصر وأمريكا الجنوبية ستنمو وتتطوَّر بشكل أقوى، مما يثري كلتا القارتين بفهم وتقدير جديدين لتراثهما المشترك. وأعربت الدكتورة إيمان نجم عن سعادتها بهذا اللقاء تحت قبة المجلس الأعلى للثقافة، هذا الصرح العريق، والذي طالما كان -وما يزال- قبلة للمثقفين داخل مصر وفي جميع أنحاء العالم، في ندوة خاصة تعزز العلاقات الثقافية بين مصر وفنزويلا، حول أعمال سيمون بوليفار، ولعلها تكون انطلاقة لبرنامج العلاقات الثقافية، وهي مبادرة لبرنامج ندوات عن العلاقات الثقافية، وهو برنامج يجدول سنويًّا بمبنى المجلس الأعلى للثقافة وبإشراف الأمين العام للمجلس. ورحبت ترحيبًا خاصًّا بسفراء دول أمريكا اللاتينية، الحاضرين اليوم ممثلين عن دولهم؛ جواتيمالا، وبنما، وأورجواي، وإكوادور، وباراجواي، وبوليفيا، وغوايانا، وكوبا. وأعربت عن أملها في أن تعود ندوات العلاقات الثقافية الخارجية على نحو شهري مثلما كانت في السابق. وألقى الدكتور أنور مغيث كلمة بعنوان "فنزويلا ومسيرة التحرر الإنساني"، أكد فيها أن الشعب المصري مثل غيره من الشعوب مفتون بثقافة أمريكا اللاتينية، شديد الإعجاب بتجليات هذه الثقافة في الأدب والموسيقى والرقص، وأيضًا كرة القدم. ولكن الإشعاع الفكري لأمريكا اللاتينية يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق، مستشهدًا بقول المؤرخ الفرنسي بول فيين في كتابه الأخير بعنوان "بالمير" إن في العصور القديمة والوسيطة لم تكن هناك دول مستقلة ولا وعي قومي، وكانت هناك إمبراطوريات تحل محل أخرى، بل وكانت النخب الفكرية والتجارية في أى إقليم تسعى طواعية لأن تكون تحت جناح إحدى الإمبراطوريات الكبيرة، مشيرًا إلى أنه مع الحداثة اختلف الأمر، وبدأت أوروبا في تأسيس الدولة القومية وأدى تطور التجارة والصناعة إلى اقتسام العالم من خلال ظاهرة الاستعمار، ومن هنا ظهر في تاريخ البشرية انطلاقًا من أمريكا اللاتينية ومن فنزويلا تحديدًا بداية حركة الاستقلال أو بتعبير آخر بداية ما يسمى بحركة التحرر الوطنى. انطلقت هذه الحركة ذات الآثار السياسية والتاريخية العميقة مع القائد الفنزويلي العظيم سيمون بوليفار. مع بداية القرن التاسع عشر وضع سيمون بوليفار نصب عينيه تحرير بلاده من الوقوع تحت سيطرة التاج الإسبانى عبر تكوين جيش من الثوريين الجمهوريين، وامتد طموحه لتحرير الدول المجاورة والسعي إلى إقامة وحدة فيما بينها، وأكد مغيث أن إنجاز بوليفار من الناحية العسكرية يعد إنجازًا فريدًا، إذ فاق ما قطعه جيشه في مسيرته لتحرير دول أمريكا اللاتينية مسافة أكبر مما قطعته جيوش الإسكندر أو نابليون. وأشار السفير أشرف منير إلى أهمية تلك السلسلة من الندوات لتسليط الضوء على ثقافات دول أخرى، لصقل الثقافة المصرية بثقافات تلك الدول، وتهتم وزارة الخارجية المصرية بوضع استراتيجية كاملة لدعم العلاقات الثقافية بين مصر ودول أمريكا اللاتينية، موضحًا أن فنزويلا لديها احتياطي كبير من البترول والغاز الطبيعي والذهب، وأن هناك عددًا من الشركات المصرية العاملة في البترول والغاز كانت تعمل لوقت طويل في فنزويلا، وهناك بعض الخطط لاستمرار عمل تلك الشركات بين مصر وفنزويلا، وأكد أن الرئيس الفنزويلي مهتم بتطوير العلاقات مع مصر في كل المجالات، وبخاصة العلاقات التجارية، ولا سيما في قطاع البترول. وتحدث سفير فنزويلا في مصر ويلمار أومار بارينتوس عن طفولة بوليفار وحياته، مؤكدًا أن بوليفار كان ثوريًّا، ليس كهؤلاء الذين يكون جل همهم تدمير النظام القديم، بل كان ما يشغله إلى جانب التخلص من الحكم الأجنبي في أمريكا اللاتينية، بناء نظام قضائي وسياسي جديد قائم على الحرية والعدالة، طبقًا لما هو عليه العالم الجديد. مستشهدًا بقول بوليفار عن لقب المحرر: محرر فنزويلا بالنسبة لي هو أعظم لقب، وهو أكثر إرضاءً من حكم كل إمبراطوريات الأرض.